لمدينة بسكرة تاريخ عريق وموقع متميز, فهي تضرب جذورها في أعماق التاريخ,
فقد تعاقبت على أرضها الحضارات والثورات من العهد الروماني إلى الفتوحات
الإسلامية إلى الغزو الفرنسي والاستقلال. ثم إن موقعها الإستراتيجي كبوابة
الصحراءوهمزة
وصل بين الشمال والجنوب ومن الشرق والغرب وبمناخ وتضاريس مثمرة أيضا, كل
هذه المعطيات أعطتها أهمية عبر كافة المراحل والعصور التاريخية. وكما كانت
الحواضر قديما على ضفاف الأودية والأنهار وعلى منابع المياه وفي الأماكن
الحصينة والمنيعة, فان الحركة العمرانية لمدينة بسكرة انطلقت من مصادر
المياه فكان منبع حمام الصالحين ومنابع رأس الماء البدايات الأولى ببسكرة
فشكلت منابع الحمام ما عرف بـ:" بيسينامADPISSINAME " حيث عثر بالقرب من
هذا الحمام على بقايا أثرية. أما الثانية فكانت النواة الأولى لما عرف في
العهد الروماني " فيسيرة (VESCERA )" ويبدو أن طبيعة ماء منبع الحمام حال
دون توسع "بيسينلم" ليترك المجال إلى" فسيرة " لتتحول إلى بسكرة الحالية
مع الفتوحات الإسلامية ولتتوسع تحت ظروف تاريخية ومعطيات جغرافية اقتصادية
وحضارية. بسكرة وجذورها التاريخية إن التسمية الأصلية لعروس
الزيبان التي تعرف الآن ببسكرة ما تزال محل خلاف المؤرخين سواء كانوا عرب
أو أجانب فمنهم من يؤكد أن اسمها مشتق من كلمة " فسيرة (VESCERA) "
الروماني الأصل والذي يعني الموقع التجاري نظرا لتقاطع طرق العبور بين
الشرق والغرب, الشمال والجنوب, ومنهم من يرى أن التسمية الأولى هي (AD
PISCINAME ) أو "بيسينام " وهي كذلك رومانية وتعني المنبع المعدني نسبة
إلى حمام الصالحين إلا أن "جيزل " يبدى أقصى التحفظ فيما إذا كانت "فسيرة
" قد أخذت تسميتها من بيسينام. ويرى زهير الزاهري أن كلمة بسكرة ترمز إلى
حلاوة تمرها ( دقلة نور ) تلك الثمرة التي تزخر بها المنطقة. إلا أن
الجميع يشهد بالتاريخ المجيد لهذه المدينة التي ضربت جذورها في القدم.
يرتبط تاريخ المدينة مع تاريخ مناطق الجنوب والجنوب الكبير بحيث أرجعت
دراسة تاريخ المنطقة إلى حوالي 7000 سنة قبل الميلاد وقسمت تطورها إلى
أربعة أقسام أساسية بحيث ميزت كل مرحلة بحيوان كان يعيش في ذلك الوقت وعلى
تلك الرسوم التي وجدت على الصخور والحجارة ،فالمرحلة الاولى من 7.000 إلى
5.000 قبل الميلاد سميت بمرحلة البوبال (BUBALE)" وهو حيوان يشبه إلى حد
كبير الثور (BUFFLE ANTIQUE) أما المرحلة الثانية تمتد من 3.000 (ق.م)
وسميت بمرحلة" البقر (BOVIDIENNE)" المرحلة الثالثة ابتداء من1.200 ق.م
سميت بمرحلة " الحصان " للإشارة لوحظ على الرسوم الموجودة أن الأسلحة
المستعملة من طرف قبائل هذه المرحلة تشبه إلى حد كبير الأسلحة التي
يستعملها " الطوارق " حاليا ( الخنجر والدرع ). المرحلة ما بين القرن
الثالث والأول قبل الميلاد سميت بمرحلة " الجمل " خلال هذه المرحلة يلاحظ
أن الحصان يفسح المجال للجمل وهذا ما يجسد تصحر المنطقة وبروز قبائل.
وبسكرة واحة ضمن واحات الزيبان، و الزاب يعني بالأمازيغية واحة، أما ابن
خلدون فقد عرف الواحة بأنها " وطن كبير يشمل فرى متعددة متجاورة جمعا جمعا
أولاها زاب الدوسن ثم زاب مليلي ثم زاب بسكرة زاب تهودة وزاب بادس وبسكرة
أهم هذه القرى كلها " وقد خضعت المنطقة للاحتلال الروماني فالوندالي ثم
البيرنطي وتركوا آثار ما تزال تشهد على الأهمية الإستراتيجية للمدينة
وطابعها العمراني المتميز. ومع الفتوحات الإسلامية وخلال القرن السابع
الميلادي (663م) تمكن القائد " عقبة بن نافع " من فتح بسكرة وطرد الحاميات
الرومانية من المنطقة فكان هذا الحدث تحولا بارزا في تاريخ المنطقة سياسيا
واقتصاديا واجتماعيا وعمرانيا. وقد تعاقبت على المدينة بعد الفتح عدة
دويلات وخلافات: الزيريون، الهلاليون، الحفصيون، الزيانيون، ثم الخلافة
العثمانية من القرن 16 إلى القرن 19. خلال فترة العصور الوسطى تميزت
بالطابع الإسلامي في شتى مناحي الحياة وبرز ذلك من خلال ما كتبه المؤرخون
والرحالة العرب وما بقي من آثار لا تزال شاهدة على ذلك. وباحتلالها من طرف
الفرنسيين عام 1844م ونظرا للطابع الاستيطاني والعنصري للاحتلال الفرنسي
وضعها كنقطة انطلاق للتوسع في الجنوب، إنشاء حامية لتكون نواة لمدينة
جديدة في المكان المسمى " رأس الماء " باعتباره موقع استراتيجي حساس،
لتنمو وتتوسع تلك المدينة مع توسع المدنية القديمة ويكون هذا الاهتمام
منصبا حول تنمية وتطوير المدينة الجديدة حيث يقيم المعمرون.